فصل: تفسير الآيات (1- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



بل إنها حين تصح وتستقيم تجد في أعماقها اتجاهاً إلى إله واحد، وإحساساً قوياً بوجود هذا الإله الواحد. ووظيفة العقيدة الصحيحة ليست هي إنشاء هذا الشعور بالحاجة إلى إله والتوجه إليه، فهذا مركوز في الفطرة. ولكن وظيفتها هي تصحيح تصور الإنسان لإلهه، وتعريفه بالإله الحق الذي لا إله غيره. تعريفه بحقيقته وصفاته، لا تعريفه بوجوده وإثباته. ثم تعريفه بمقتضيات الألوهية في حياته- وهي الربوبية والقوامة والحاكمية- والشك في حقيقة الوجود الإلهي أو إنكاره هو بذاته دليل قاطع على اختلال بين في الكينونة البشرية، وعلى تعطل أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية فيها. وهذا التعطل لا يعالج- إذن- بالجدل. وليس هذا هو طريق العلاج!
إن هذا الكون، كون مؤمن مسلم، يعرف بارئه ويخضع له، ويسبح بحمده كل شيء فيه وكل حي- عدا بعض الأناسي!- والإنسان يعيش في هذا الكون الذي تتجاوب جنباته بأصداء الإيمان والإسلام، وأصداء التسبيح والسجود. وذرات كيانه ذاته وخلاياه تشارك في هذه الأصداء؛ وتخضع في حركتها الطبيعية الفطرية للنواميس التي قدرها الله. فالكائن الذي لا تستشعر فطرته هذه الأصداء كلها؛ ولا تحس إيقاع النواميس الإلهية فيها هي ذاتها، ولا تلتقط أجهزته الفطرية تلك الموجات الكونية، كائن معطلة فيه أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية. ومن ثم لا يكون هنالك سبيل إلى قلبه وعقله بالجدل، إنما يكون السبيل إلى علاجه هو محاولة تنبيه أجهزة الاستقبال والاستجابة فيه، واستجاشة كوامن الفطرة في كيانه، لعلها تتحرك، وتأخذ في العمل من جديد.
ولفت الحس والقلب والعقل للنظر إلى ما في السماوات والأرض، وسيلة من وسائل المنهج القرآني لاستحياء القلب الإنساني؛ لعله ينبض ويتحرك، ويتلقى ويستجيب.
ولكن أولئك المكذبين من الجاهليين العرب- وأمثالهم- لا يتدبرون ولا يستجيبون.. فماذا ينتظرون؟
إن سنة الله لا تتخلف، وعاقبة المكذبين معروفة، وليس لهم أن يتوقعوا من سنة الله أن تتخلف. وقد يُنظرهم الله فلا يأخذهم بعذاب الاستئصال، ولكن الذين يصرون على التكذيب لابد لهم من النكال:
{فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم}.. {قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين}.. وهو التهديد الذي ينهي الجدل، ولكنه يخلع القلوب.
ويختم هذا المقطع من السياق بالنتيجة الأخيرة لكل رسالة ولكل تكذيب، وبالعبرة الأخيرة من ذلك القصص وذلك التعقيب:
{ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين}..
إنها الكلمة التي كتبها الله على نفسه: أن تبقى البذرة المؤمنة وتنبت وتنجو بعد كل إيذاء وكل خطر، وبعد كل تكذيب وكل تعذيب..
هكذا كان- والقصص المروي في السورة شاهد- وهكذا يكون.. فليطمئن المؤمنون...

.تفسير الآيات (104- 109):

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}
هذة خاتمة السورة، وخاتمة المطاف لتلك الجولات في شتى الآفاق، تلك الجولات التي نحس أننا عائدون منها بعد سياحات طويلة في آفاق الكون، وجوانب النفس، وعوالم الفكر والشعور والتأملات. عائدون منها في مثل الإجهاد من طول التطواف، وضخامة الجني، وامتلاء الوطاب!
هذه خاتمة السورة التي تضمنت تلك الجولات حول العقيدة في مسائلها الرئيسية الكبيرة: توحيد الربوبية والقوامة والحاكمية، ونفي الشركاء والشفعاء، ورجعة الأمر كله إلى الله، وسننه المقدرة التي لا يملك أحد تحويلها ولا تبديلها. والوحي وصدقه، والحق الخالص الذي جاء به. والبعث واليوم الآخر والقسط في الجزاء...
هذه القواعد الرئيسية للعقيدة التي دار حولها سياق السورة كله، وسيقت القصص لإيضاحها، وضربت الأمثال لبيانها..
ها هي ذي كلها تلخص في هذه الخاتمة، ويكلف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلنها للناس إعلاناً عاماً، وأن يلقي إليهم بالكلمة الأخيرة الحاسمة: أنه ماض في خطته، مستقيم على طريقته، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
{قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين}..
قل: يا أيها الناس جميعاً، وإن كان الذين يتلقون الخطاب إذ ذاك هم مشركي قريش، إن كنتم في شك من أن ديني الذي أدعوكم إليه هو الحق، فإن هذا لا يحولني عن يقيني، ولا يجعلني أعبد آلهتكم التي تعبدونها من دون الله..
{ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم}..
أعبد الله الذي يملك آجالكم وأعماركم. وإبراز هذه الصفة لله هنا له قيمته وله دلالته، فهو تذكير لهم بقهر الله فوقهم، وانتهاء آجالهم إليه، فهو أولى بالعبادة من تلك الآلهة التي لا تحيي ولا تميت..
{وأمرت أن أكون من المؤمنين}..
فأنا عند الأمر لا أتعداه.
{وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين}..
وهنا يتحول السياق من الحكاية إلى الأمر المباشر، كأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقاه في مشهد حاضر للجميع. وهذا أقوى وأعمق تأثيراً. {أقم وجهك للدين حنيفاً} متوجهاً إليه خالصاً له، موقوفاً عليه {ولا تكونن من المشركين} زيادة في توكيد معنى الاستقامة للدين، ولمعنى أن يكون من المؤمنين، عن طريق النهي المباشر عن الشرك بعد الأمر المباشر بالإيمان.
{ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين}..
لا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك من هؤلاء الشركاء والشفعاء، الذين يدعوهم المشركون لجلب النفع ودفع الضر. فإن فعلت فإنك إذن من هؤلاء المشركين! فميزان الله لا يحابي وعدله لا يلين.
{وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم}..
فالضر نتيجة لازمة لسنة الله الجارية حين يتعرض الإنسان لأسبابه، والخير كذلك..
فإن مسك الله بضر عن طريق جريان سنته فلن يكشفه عنك إنسان، إنما يكشف باتباع سنته، وترك الأسباب المؤدية إلى الضر إن كانت معلومة، أو الالتجاء إلى الله ليهديك إلى تركها إن كانت مجهولة. وإن أراد بك الخير ثمرة لعملك وفق سنته فلن يرد هذا الفضل عنك أحد من خلقه. فهذا الفضل يصيب من عباده من يتصلون بأسبابه وفق مشيئته العامة وسنته الماضية. {وهو الغفور الرحيم} الذي يغفر ما مضى متى وقعت التوبة، ويرحم عباده فيكفر عنهم سيئاتهم بتوبتهم وعملهم الصالح وعودتهم إلى الصراط المستقيم.
هذه خلاصة العقيدة كلها، مما تضمنته السورة، يكلف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلنهما للناس، ويوجه إليه الخطاب بها كأنما على مشهد منهم. وهم هم المقصودون بها. إنما هو أسلوب من التوجيه الموحي المؤثر على النفوس، ويقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بها في وجه القوة والكثرة؛ ووجه الرواسب الجاهلية، ووجه التاريخ الموغل بالمشركين في الشرك.. يعلنها في قوة وفي صراحة وهو في عدد قليل من المؤمنين في مكة، والقوة الظاهرة كلها للمشركين..
ولكنها الدعوة وتكاليفها، والحق وما ينبغي له من قوة ومن يقين.
ومن ثم يكون الإعلان الأخير للناس:
{قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل}..
فهو الإعلان الأخير، والكلمة الفاصلة، والمفاصلة الكاملة، ولكل أن يختار لنفسه. فهذا هو الحق قد جاءهم من ربهم.
{فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها}..
وليس الرسول موكلاً بالناس يسوقهم إلى الهدى سوقاً، إنما هو مبلغ، وهم موكولون إلى إرادتهم وإلى اختيارهم وإلى تبعاتهم، وإلى قدر الله بهم في النهاية.
والختام خطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع ما أمر به، والصبر على ما يلقاه حتى يحكم الله بما قدره وقضاه:
{واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين}..
وهو الختام المناسب الذي يلتقي مع مطلع السورة، ويتناسق مع محتوياتها بجملتها على طريقة القرآن في التصوير والتنسيق..

.سورة هود:

.تفسير الآيات (1- 24):

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}
هذا الدرس الأول من السورة يمثل المقدمة التي يتوسط القصص بينها وبين التعقيب وهي تتضمن عرض الحقائق الأساسية في العقيدة الإسلامية: توحيد الدينونة لله الواحد بلا منازع، وعبادة الله وحده بلا شريك؛ والإعتقاد في البعث والقيامة للحساب والجزاء على ما كان من الناس من عمل وكسب في دار العمل والإبتلاء.. مع تعريف الناس بربهم الحق؛ وصفاته المؤثرة في وجودهم وفي وجود الكون من حولهم؛ وبيان حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية، ومقتضاهما في حياة البشرية. وتوكيد الدينونة لله في الآخرة كالدينونة له سبحانه في الحياة الدنيا.
كذلك تتضمن هذه المقدمة بياناً لطبيعة الرسالة وطبيعة الرسول؛ كما تتضمن تسلية وترويحاً للرسول صلى الله عليه وسلم في وجه العناد والتكذيب، والتحدي والمكابرة، التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجهها في الفترة العصيبة في حياة الدعوة بمكة، كما أسلفنا في التعريف بالسورة. مع تحدي المشركين بهذا القرآن الذي يكذبون به، أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات كما يزعمون أن هذا القرآن مفترى وتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم والقلة المؤمنة معه بهذا التحدي من الله وبذلك العجز من المشركين!
ومع هذا التحدي تهديد قاصم للمكذبين بما ينتظرهم في الآخرة من العذاب الذي يستعجلون به ويكذبون. وهم الذين لا يطيقون أن تنزع منهم رحمة الله في الدنيا، ولا يصبرون على ابتلائه فيها وهو أيسر من عذاب الآخرة!
ثم يجسم هذا التهديد في مشهد من مشاهد القيامة؛ يتمثل فيه موقف المكذبين بهذا القرآن من أحزاب المشركين؛ ويتبين فيه عجزهم وعجز أوليائهم عن إنقاذهم من العذاب الأليم، المصحوب بالخزي والتشهير والتنديد والتأنيب. وفي الصفحة المقابلة من المشهد.. الذين آمنوا وعملوا الصالحات وما ينتظرهم من الثواب والنعيم والتكريم.. ومشهد مصور للفريقين على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير: {مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلاً افلا تذكرون}..
{الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير}..